فصل: نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى :

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان **


نواقض الإيمان بالله لدى النصارى

إن النصارى هم ‏:‏ المثلثة ، عباد الصليب ، الذين سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر ‏.‏ وقد فضحهم الله في القرآن العظيم ‏.‏

قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ‏.‏ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ‏}‏ ‏[‏ التوبة / 30 ، 31 ‏]‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 73 ‏]‏ ‏.‏

وقال سبحانه ‏:‏ ‏{‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة‏}‏ ‏[‏ المائدة / 73 ‏]‏ ‏.‏

وقال جل وعز ‏:‏ ‏{‏ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ‏}‏ ‏[‏ النساء / 171 ‏]‏‏.‏

الإيمان بالكتب المنزلة‏:‏

من أركان الإيمان ، وأصول الاعتقاد ‏:‏ الإيمان بجميع كتب الله المنزلة على أنبيائه ورسله ‏.‏ وأن كتاب الله ‏:‏ ‏"‏ القرآن الكريم ‏"‏ هو آخر كتب الله نزولاً ، وآخرها عهداً برب العالمين ، نزل به جبريل الأمين ، من عند رب العاليمن ، على نبيه ورسوله الأمين محمد ‏.‏ وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل ‏:‏ الزبور ، والتوراة ، والإنجيل وغيرها ، ومهيمن عليه ، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به ، ويتبع سوى ‏"‏ القرآن المعظيم ‏"‏ ‏.‏ ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه ‏:‏ ‏{‏ ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ‏}‏ ‏[‏ هود / 17 ‏]‏ ‏.‏

ومن الحقائق العقدية ، المتعين بيانها هنا ‏:‏ أن من الكتب المنسوخة بشريعة الإسلام ‏:‏ ‏"‏ التوراة والإنجيل ‏"‏ وقد لحقهما ، التحريف ، والتبديل ، بالزيادة والنقصان والنسيان ، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله - تعالى - منها عن ‏:‏ ‏"‏التوراة ‏"‏ قول الله - تعالى - ‏:‏

{‏فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 13 ‏]‏ ‏.‏

وقال - سبحانه - عن ‏"‏ الإنجيل ‏"‏‏:‏

{‏ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 14 ‏]‏ ‏.‏

وأن ما في أيدي اليهود ، والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة ، والأسفار ، والإصحاحات ، التي بلغت العشرات ، ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام ، وعين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام ؛ لانقطاع أسانيدها ، واحتوائها على كثير من التحريف ، والتبديل ، والأغاليط ، والاختلاف فيها ، واختلاف أهلها عليها ، واضطرابهم فيها ، وأن ما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام ، وما عداه فهو محرف مبدل ، فهي دائرة بين النسخ والتحريف ‏.‏

ولهذا فليست بكليتها وحياً ، ولا إلهاماً ، ولإنما هي كتب مؤلفة من متأخريهم بمثابة التواريخ ، والمواعظ لهم ، وحاشا لله ، أن يكون ما بأيدي اليهود من التوراة هو عين التوراة المنزلة على نبي الله موسى - عليه السلام - وأن يكون ما بأيدي النصارى من الأناجيل هو عين الإنجيل المنزل على نبي الله عيسى - عليه السلام - ‏.‏

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غَضِبَ حينما رأى مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيفة فيها شئ من التوراة وقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ أفي شك أنت يا ابن الخطاب ‏؟‏ ألم آت بها بيضاء نقية ‏؟‏ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي ‏"‏ رواه أحمد والدارمي ، وغيرهما ‏.‏

نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى ‏:‏

لم يسلم الإيمان بهذا الأصل العقدي ، والركن الإيماني إلا لأهل الإسلام ، وأما أمة الغضب ‏:‏ اليهود ، وأمة الضلال ‏:‏ النصارى ، فقد كفروا به ؛ إذ لا يؤمنون بالقرآن ، ولا بنسخه لما قبله ، وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والإنجيل مع ما أضيف إليهما من التحريف ، والتبديل ، والتغيير ، إلى الله - تعالى - بل فيهما من الافتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من الأنبياء - حاشاهم عن فرى الأفاكين - وانظر الآن الإشارة إلى طرف من هذه النصوص المفتراة في نواقض إيمانهم بجميع الأنبياء والرسل وما جاؤوا به ‏:‏

* فقد نسبت اليهود الردة إلى نبي الله سليمان - عليه السلام - وأنه عبد الصنام كما في سفر الملوك الأول ‏.‏ الإصحاح / 11 / عدد / 5 ‏.‏

* ونسبت اليهود إلى نبي الله هارون - عليه السلام - صناعة العجل ، وعبادته له كما في الإصحاح / 32 عدد / 1 من سفر الخروج ‏.‏

وإنما هو عمل السامري ، وقد أنكره عليه هارون - عليه السلام - إنكاراً شديداً ، كما في القرآن الكريم ‏.‏

* وقد نسبت اليهود إلى خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أنه قدم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها ‏.‏

كما في الإصحاح / 12 العدد / 14 من سفر التكوين ‏.‏

* وقد نسبت اليهود إلى لوط - عليه السلام - شرب الخمر حتى سكر ، ثم زنى بابنته ‏.‏

كما في سفر التكوين ‏.‏ الإصحاح / 19 العدد / 30 ‏.‏

* ونسبت اليهود ‏:‏ الزنى إلى نبي الله داود - عليه السلام - فولدت له سليمان - عليه السلام - ‏.‏

كما في سفر صموئيل الثاني ‏.‏ الإصحاح / 11 العدد / 11 ‏.‏

* ونسبت النصارى - قبحهم الله - إلى جميع أنبياء بني إسرائيل أنهم سراق ولصوص ، كما في شهادة يسوع عليهم ‏.‏

إنجيل يوحنا ‏.‏ الإصحاح / 10 / العدد / 8 ‏.‏

* ونسبت النصارى - قبحهم الله - جد سليمان ، وداود ‏:‏ فارض ، من نسل يهوذا بن يعقوب ، من نسل الزنى ‏.‏

كما في ‏:‏ إنجيل متى ‏.‏ الإصحاح / 1 العدد / 10 ‏.‏

فهذه أمة الغضب ، وهذه أمة التثليث والضلال يرمون جمعاً من أنبياء الله ورسله بقبائح الأمور التي تقشعر منها الجلود ، وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة ‏:‏ التوراة والإنجيل - وحاشا لله - ‏.‏

إن هذا كفر بالله من جهتين ‏:‏ جهة نسبته إلى الوحي ، ومن جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك ‏.‏

فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين ، والمعظمين لرسل الله وأبيائه مع هذه الأمم الكافرة الناقضة للإيمان بالكتب المنزلة والأنبياء والرسل ‏.‏

ومن هنـــا ‏:‏ كيف لا يستحي من المنتسبين إلى الإسلام من يدعو إلى طبع هذه الأسفار والإصحاحات المحرفة المفترى فيها مع كتاب الله المعصوم ‏:‏ ‏"‏ القرآن الكريم ‏"‏ ‏.‏

إن هذا من أعظم المحرمات ، وأنكى الجنايات ، ومن اعتقده صحيحاً فهو مرتد عن الإسلام ‏.‏

الإيمان بالرسل‏:‏

من أركان الإيمان ، وأصول الاعتقاد ، ‏"‏ الإيمان بالرسل ‏"‏ إيماناً جامعاً ، عاماً ، مُؤتَلِفاً ، لا تفريق فيه ولا تبعيض ، ولا اختلاف ، وهو يتضمن تصديقهم ، وإجلالهم ، وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم ، وطاعتهم فيمن بعثوا به في الأمر ، والنهي ، والترغيب ، والترهيب ، وما جاؤوا به عن الله كافة ‏.‏

وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة ، فيجب الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله ، جملةً وتفصيلاً ، من قص الله - سبحانه - علينا خبره ومن لم يقصص خبره ‏.‏

وأن عِدّة الأنبياء ، كما جاءت به الرواية من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - وغيره ‏:‏ ‏"‏ مائة ألف وعشرون ألفاً ‏"‏ وعدة الرسل منهم ‏:‏ ‏"‏ ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً ‏"‏ ‏.‏ وسمى الله منهم في القرآن الكريم ، خمسة وعشرين ، فأول نبي هو ‏:‏ آدم - عليه السلام - وقيل ‏:‏ بل هو نبي رسول ‏.‏ وأول نبي رسول نوح - عليه السلام - وآخر نبي رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم ‏.‏ وكان عيسى بن مريم قبله ، ولم يكن بينهما نبي ولا رسول ‏.‏

وقد ذكر الله منهم في مواضع متفرقة من القرآن ‏:‏ سبعة ، هم ‏:‏ آدم ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، وإدريس ، وذو الكفل ، ومحمد - صلى الله عليهم أجمعين - ‏.‏

وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد ، في أربع آيات متواليات من سورة الأنعام ‏:‏ ‏(‏ 83 - 86 ‏)‏ وهم ‏:‏ إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط ‏.‏

ومن هذا العدد ‏:‏ خمسة هو أولو العزم من الرسل ، وهم الذين ذكرهم الله - سبحانه - بقوله ‏:‏ ‏{‏ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ‏}‏ ‏[‏ الأحزاب / 7 ‏]‏ ‏.‏

ومن هذا العدد المبارك ‏:‏ أربعة من العرب ، وهم ‏:‏ هود ، وصالح ، وشعيب ، ومحمد - صلى الله عليهم وسلم أجمعين - ‏[‏ جمعهم بعضهم بقوله ‏:‏ ‏"‏ شهصم ‏"‏ ‏]‏‏.‏

وذكر الله - سبحانه - ولد يعقوب باسم ‏:‏ ‏"‏ الأسباط ‏"‏ ولم يذكر اسم أحد منهم سوى ‏:‏ يوسف - عليه السلام - وهم اثنا عشر ابناً ليعقوب - عليه السلام - ليس فيهم نبي سوى يوسف - عليه السلام - وهو الذي قواه ابن كثير - رحمه الله تعالى - في ‏"‏ تاريخه ‏"‏ ‏.‏ وقيل ‏:‏ بل كانوا جميعهم أنبياء ‏.‏

والآيات التي يرد فيها ذكر ‏:‏ ‏"‏ الأسباط ‏"‏ المراد بهم شعوب بني إسرائيل ، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء ، وقد ثبت في السنة تسمية نبيين هما ‏:‏ شيت بن آدم ، ويوشع بن نون - عليهم السلام - ‏.‏

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ‏:‏ ‏"‏ كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة ‏:‏ نوحاً ، وشعيباً ، وهوداً ، وصالحاً ، ولوطاً ، وإبراهيم، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل ، ومحمداً صلى الله وسلم عليهم أجمعين ‏"‏ ‏.‏

وكل الأنبياء والرسل ‏:‏ رجال ، أحرار ، من البشر ، من أهل القرى والأمصار ، ليس فيهم امرأة ، ولا ملك ، ولا أعرابي ، ولا جني ‏.‏

وكلهم على غاية الكمال في الخِلقة البشرية ، والأخلاق العلية ، مصطفون من خيار قومهم ، الذين بعثهم الله فيهم ، وبلسانهم ، من خيارهم خِلقة ، وخُلُقاً ، ونسباً ومواهب ، وقدرات ، معصومون في تحمل الرسالة ، وتبلغيها ، ومن كبائر الذنوب ، واقترافها ، وإن وقعت صغيرة فلا يقرون عليها ، بل يسارع النبي إلى التوبة منها ، والتوبة تغفر الحَوبَة ‏.‏

وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة إلا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فبعثته عامة إلى الثقلين ‏.‏

وكل نبي يبعث بلسان قومه ‏.‏

وقد يبعث الله -سبحانه - نبياً وحده ، أو رسولاً وحده ، وقد يجمع الله بعثة نبيين اثنين ، أو نبي ورسول ، أو أكثر من ذلك في زمن واحد ، ومن ذلك ‏:‏

أن الله - سبحانه - بَعَثثَ نبيه ورسوله إبراهيم - عليه السلام - وبعث في زمنه ‏:‏ لوطاً - عليه السلام - وهو ابن أخيه ‏.‏

وبعث الله - سبحانه - إسماعيل، وإسحاق - عليهما السلام - ، في زمن واحد ‏.‏

وبعث الله - سبحانه - يعقوب ، وابنه يوسف - عليهما السلام - في زمن واحد ‏.‏ وبعث الله - سبحانه موسى ، وأخاه هارون - عليهما السلام - في زمن واحد ، قيل ‏:‏ وشعيب - عليه السلام - الذي أدركه موسى ، وتزوج ابنته ‏.‏ وهو غلط ، كما قرره المفسرون منهم ابن جرير - رحمه الله تعالى - في ‏:‏ ‏"‏ الجواب الصحيح ‏:‏ 2 / 249 - 250 ‏"‏ ‏.‏

وبعث الله - سبحانه - داود وابنه سليمان - عليهما السلام - في زمن واحد ‏.‏

وبعث الله - سبحانه - زكريا ، ويحيى - عليهما السلام - في زمن واحد ‏.‏

وقال - تعالى - في سورة ‏"‏ يــس ‏"‏ ‏:‏ ‏{‏ واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ‏}‏ ‏[‏ إلى آخر الايات / 13 - 17 من سورة يس ‏]‏ ‏.‏

وقد اختار ابن كثير - رحمه الله - أنهم ثلاثة رسل من رسل الله - تعالى - ‏.‏

وكلهم بعثهم الله مبشرين ، ومنذرين ، ولتحقيق العبودية لله - سبحانه - وتوحيده ، وأدى كل واحد منهم - عليهم السلام - الأمانة ، وبلغ ، وبشر ، وأنذر ، وقد أيدهم الله بالمعجزات الباهرات ، والآيات الظاهرات ‏.‏

والرسل أفضل من الأنبياء ، وقد فضل الله - سبحانه - بعضهم على بعض ، ورفع بعضهم درجات ، وأفضلهم جميعاً ‏:‏ خمسة هم أولو العزم من الرسل ‏.‏

وأفضل الجميع على الإطلاق ، بل أفضل جميع الخلائق ‏:‏ هو خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا نبي بعده ، وان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين عامة ‏.‏

وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين ‏:‏ في التوحيد ، والنبوة والبعث ، وما يشمله ذلك من الإيمان الجامع بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشَره ، ومافي ذلك من وحدة العبادة لله - تعالى - لا شريك له ، فالصلاة والزكاة ، والصدقات ، كلها عبادات لا تُصرف إلا لله - تعالى - ‏.‏

وشرائعهم في العبادات في صورها ، ومقاديرها ، وأوقاتها ، وأنوعها ، وكيفيتها ، متعددة ‏.‏

حتى جاءت الرسالة الخاتمة ، والنبوة الخالدة ، فنسخ الله بها جميع الشرائع فلا يجوز لبشر ، كتابي ولا غير كتابي ، أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة ، فهو كافر ، وعمله هباء ‏:‏ ‏{‏ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ‏}‏ ‏[‏ الفرقان / 23 ‏]‏ ‏.‏

فواجب على كل مكلف الإيمان ، بان نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من أنبياء الله حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا يسع الكتابيين إلا ذلك ، كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ‏}‏ ‏[‏ الأعراف / 157 ‏]‏ ‏.‏

وأن بعثته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الثقلين ، والناس أجمعين ‏:‏ ‏{‏ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏}‏ سبأ / 28 ‏]‏ ‏.‏

وقال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ‏}‏ ‏[‏ الأعراف / 158 ‏]‏ ‏.‏

وقال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ‏}‏ ‏[‏ الأنعام / 19 ‏]‏ ‏.‏

وقال -سبحانه - ‏:‏ ‏{‏ وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 20 ‏]‏ ‏.‏

من نواقض هذا الأصل

من كفر بنبي واحد ، أو رسول واحد ، أو آمن ببعض وكفر ببعض ، فهو كمن كفر بالله وجحده ، وقد فرق بين الله ورسله ، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل ؛ ذلك ان الرسل حملة رسالة واحدة ، ودعاة دين واحد ، وإن اختلفت شرائعهم ، ومرسلهم واحد ، فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر ، ويصدق المتأخر المتقدم ‏.‏

قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ إن الذين يكفروا بالله ورسله ، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً ‏}‏ ‏[‏ النساء / 150 - 151 ‏]‏ ‏.‏

ولهذا ‏:‏ فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وأنه خاتم الأنبياء والرسل ، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها ، وأنه لا يسع أحداً من أهل الأرض اتباع غير شرعه ‏:‏ فهو كافر مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده رباً معبوداً ‏.‏

وقد بين الله - سبحانه - كفر اليهود والنصارى ؛ لإيمانهم ببعض الرسل ، وكفرهم ببعض ، كما قال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 91 ‏]‏ ‏.‏

{‏وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 91 ‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

فاليهود لا يؤمنون بعيسى ابن مريم ، ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏ فباءوا بغضب على غضب ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 90 ‏]‏ غضب بكفرهم بالمسيح عسيى ابن مريم ، وغضب بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والنصارى ‏:‏ لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم فَأتوا من كفرهم به ‏.‏ ‏.‏

لهذا ‏:‏ فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار ، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام ‏.‏ ‏.‏

وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق والنار حق ‏:‏ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ‏"‏ متفق عليه ‏.‏ ‏.‏

فقوله ‏:‏ ‏"‏ وأن عيسى عبد الله ورسوله ‏"‏ تعريض باليهود وتعريض بالنصارى - أنفسهم - في قولهم بالإيمان به مع التثليث وهو شرك محض ؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى - عليه السلام - في هذا الحديث العظيم الجامع ‏.‏ ‏.‏

ألا ‏:‏ لا وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ويهودي أو نصراني ‏:‏ لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله - سبحانه - ‏:‏ ‏.‏

{‏فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 137 ‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

نسبة القبائح ، والكبائر إلى الأنبياء كصناعة الأصنام ، والردة ، والزنا ، والخمر ، والسرقة ، و ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏

فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح ، ونحوها إلى أي نبي أو رسول فهر كافر مخلد في النار ، مثل كفره بالله ، وجحده له ‏.‏ ‏.‏

وقد كان لليهود ، والنصارى - قبحهم الله وأخزاهم - أوفر نصيب من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله - عليهم السلام - كما تقدم ذكر بعض منها ‏.‏ ‏.‏

ومن نواقض هذا الأصل ‏:‏ ‏.‏

نفي بشرية أحد من الأنبياء ، أو تأليه أحد منهم ‏.‏ ‏.‏

وقد نقض اليهود ، والنصارى هذا الأصل العظيم بافترائهم ، وكذبهم ، وتحريفهم ، كما فضحهم الله في آيات من ‏:‏ ‏"‏ القرآن العظيم ‏"‏ وحكم بكفرهم ، وضلالهم ‏.‏ ‏.‏

فقال - سبحانه - عن اليهود والنصارى ‏:‏ ‏{‏ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ‏}‏ ‏[‏ التوبة / 30 ‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

وقال - سبحانه - عن النصارى ‏:‏ ‏{‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 72‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

وقال - سبحانه - عن النصارى ‏:‏ ‏{‏ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 73‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

ومن ونواقض هذا الأصل ‏:‏ ‏.‏

عدم الإيمان بعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع أهل الأرض عربهم ، وعجمهم ، إنسهم ، وجنهم ‏.‏ ‏.‏

ومنه أن العيسوية من اليهود وفريقاً من النصارى آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة ، وأنكروا عموم رسالته ‏.‏ وإنكار عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ، كفر ، يناقض صريح القرآن ‏:‏ ‏{‏ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏}‏ ‏[‏ سبأ / 28 ‏]‏ ‏.‏ ‏.‏

والآيات بهذا المعنى كثيرة ، وفي صحيح مسلم ‏:‏ ‏"‏ أرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون ‏"‏ ‏.‏ ‏.‏

النـتـيـجــة ‏:‏

* يجب على كل المسلمين ‏:‏ الكفر بهذه النظرية ‏:‏ ‏"‏ وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله ‏"‏ ‏.‏ وهذا من بدهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام ‏.‏

وأن حال الدعاة إليها من اليهود ، والنصارى مع المسلمين هم كما قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 119 ‏]‏ ‏.‏

* ويجب على أهل الأرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع ، ناسخة لكل شريعة قبلها ، فلا يجوز لبشر من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام ‏.‏

وإن هذا الأصل لم يسلم لأحد إلا لأهل الإسلام ، فأمة الغضب ‏:‏ اليهود ، كافرون بهذا الأصل ؛ لعدم إيمانهم بشريعة عيسى - عليه السلام - ولعدم إيمانهم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمة الضلال ‏:‏ النصارى ، كافرون بهذا الأصل ؛ لعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته ، وبعموم رسالته ‏.‏

والأمتان كافرتان بذلك ، وبعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومتابعته في شريعته ، وترك ما سواها ، وبعدم إيمانهم بنسخ شريعة الإسلام لما قبلها من الشرائع ، ، وبدعم إيمانهم بما جاء به من القرآن العظيم ، وأنه ناسخ لما قبله من الكتب والصحف ‏.‏

{‏ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 58 ‏]‏ ‏.‏

* ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيين وغيرهم ‏:‏ الدخول في الإسلام بالشهادتين ، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلاً ، والعمل به ، واتباعه ، وترك ما سواه من الشرائع المحرفة والكتب المنسوبة إليها ، وأن من لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك ، كما قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 70 ‏]‏ ‏.‏

* يجب على أمة الإسلام ‏:‏ ‏"‏ أمة الاستجابة ‏"‏ ، ‏"‏ أهل القبلة ‏"‏ ‏:‏ اعتقاد أنهم على الحق وحدهم في ‏:‏ ‏"‏ الإسلام الحق ‏"‏ وأنه آخر الأديان ، وكتابه القرآن آخر الكتب ، ومهيمناً عليها ، ورسوله آخر الرسل وخاتمهم ، وشريعته ناسخة لشرائعهم ، ولا يقبل الله من عبد سواه ‏.‏ فالمسلمون حملة شريعة إلهية خاتمة ، خالدة ، سالمة من الانحراف الذي أصاب أتباع الشرائع السابقة ، ومن التحريف الذي داخل التوراة والإنجيل مما ترتب عليه تحريف الشريعتين المنسوختين ‏:‏ اليهودية والنصرانية ‏.‏

* ويجب على ‏:‏ ‏"‏ أمة الاستجابة ‏"‏ لهذا الدين إبلاغه إلى ‏"‏ أمة الدعوة ‏"‏ من كل كافر من يهود ونصارى ، وغيرهم ، وان يدعوهم إليه ، حتى يسلموا ، ومن لم يسلم فالجزية أو القتال ‏.‏

قال الله - تعالى - ‏{‏ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ‏}‏ ‏[‏ التوبة / 29 ‏]‏ ‏.‏

* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ‏:‏ أن يدين الله - تعالى - بِبُغضِ الكفار من اليهود والنصارى ، وغيرهم ، ومعاداتهم في الله - تعالى - وعدم محبتهم ، ومودتهم ، وموالاتهم ، وتوليهم ، حتى يؤمنوا بالله وحده رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ‏.‏

قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ‏}‏ ‏[‏ المائدة / 51 ‏]‏ ‏.‏ والآيات في هذا المعنى كثيرة ‏.‏

ولهذا صار من آثار قطع الموالاة بيننا وبينهم ، أنه لا توارث بين مسلم وكافر أبداً ‏.‏

* يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وتسميته كافراً ، وأنه عدو لنا ، وأنه من أهل النار ‏.‏

قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ‏}‏ ‏[‏ الأعراف / 158 ‏]‏ ‏.‏

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ، ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ‏"‏ ‏.‏

ولهذا ‏:‏ فمن لم يكفر باليهود والنصارى فهو كافر ، طرداً لقاعدة الشريعة ‏:‏ ‏"‏ من لم يكفر الكافر فهو كافر ‏"‏ ‏.‏

ونقول لأهل الكتاب كما قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ انتهوا خيراً لكم ‏}‏ ‏[‏ النساء / 171 ‏]‏ ‏.‏

* ولا يجوز لأحد من أهل الأرض اليوم أن يبقى على أي من الشريعتين ‏:‏ ‏"‏ اليهودية والنصرانية ‏"‏ فضلاً عن الدخول في إحداهما ، ولا يجوز لمتبع أي دين غير الإسلام وصفه بأنه مسلم ، أو أنه على ملة إبراهيم ، لما يأتي ‏:‏

1- لأن ما كان فيهما - أي اليهودية والنصرانية - من شرع صحيح فهو منسوخ بشريعة الإسلام فلا يقبل الله من عبد أن يتعبده بشرع منسوخ ‏.‏

2- ولأن ما كان منسوباً إليهما من شرع محرف مبدل ، فتحرم نسبته إليهما ، فضلاً عن أن يجوز لأحد اتباعه ، أو أن يكون دين أحد من الأنبياء لا موسى ولا عيسى ، ولاغيرهما ‏.‏

3- ولأن كل عبد مأمور بأن يتبع الدين الناسخ لما قبله ، وهو بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم دين الإسلام الذي جاء به ، بعبادة الله وحده لا شريك له ، وتوحيده بالعبادة ، فمن كان كذلك كان عبداً حنيفاً ، مسلماً ، على ملة إبراهيم ، ومن لم يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين ، ويخص نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالاتباع دون سواه فلا يجوز وصفه بأنه حنيف ، ولا مسلم ، ولا على ملة إبراهيم ، بل هو كافر في مشاقة وشقاق ‏.‏

قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وأما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 135 - 137 ‏]‏ ‏.‏

فبطلت بهذه نظرية الخلط بين دين الإسلام الحق ، وبين غيره من الشرائع الدائرة بين التحريف والنسخ ، وأنه لم يبق إلا الإسلام وحده ، والقرآن وحده ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده ، وأن شريعته ناسخة لما قبله ، ولا يجوز اتباع أحد سواه ‏.‏

* وأنه لايجوز لمسلم طباعة التوراة ، والإنجيل ، وتوزيعهما ، ونشرهما ، وأن نظرية طبعهما مع القرآن الكريم في غلاف واحد ، من الضلال البعيد ، والكفر العظيم ، لما فيها من الجمع بين الحق ‏:‏ ‏"‏ القرآن الكريم ‏"‏ والباطل ‏:‏ في التوراة والإنجيل من التحريف والتبديل ، وأن ما فيهما من حق فهو منسوخ ‏.‏

* وأنه لا يجوز الاستجابة لدعوتهم ببناء ‏"‏ مسجد ، وكنيسة ، ومعبد ‏"‏ ‏[‏انظر حاشية / 23 ، وهذه صورة مشروع لهذه الفكرة المراد تنفيذها لمسجد وكنائس في بعض دول شرق آسيا ‏:‏ ‏]‏ في مجمع واحد لما فيها من الدينونة والاعتراف بدين يعبد الله به سوى الإسلام ، وإخفاء ظهوره على الدين كله ، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة على أهل الأرض التدين بأي منها ، وأنها على قَدَم التساوي ، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله ، وهذه المردودات السالبة ، فيهاالكفر والضلال ، ما لا يخفى ، فعلى المسلمين بعامة ، ومن بسط الله يده عليهم خاصة ، الحذر الشديد ، من مقاصد الكفرة من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين ، والكيد لهم فإن بيوت الله في أرض الله هي ‏:‏ ‏"‏ المساجد ‏"‏ وحدها ‏:‏ ‏{‏ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ‏}‏ ‏[‏ الأعراف / 29 ‏]‏ ‏.‏

وهذه المساجد من شعائر الإسلام ، فواجب تعظيمها ، ورعاية حرمتها ، وعمارتها ، ومن تعظيمها ورعايتها عدم الرضا بحلول كنائس الكفرة ، ومعابدهم في حرمها ، وفي جوارها ، وإقرار إنشائها في بلاد الإسلام ، ورفض مساجد المضارة بالإسلام ، والضّرار بالمسلمين في بلاد الكافرين ‏.‏

فإن ‏"‏ المسجد ‏"‏ والحال هذه ، مسجد مُضَارّة للإسلام ، ولا يجوز إقراره ، ولا الصلاة فيه ، ويحب على من بسط الله يده من ولاة المسلمين هدم هذا المجمع ، فضلاً عن السكوت عنه ، أو المشاركة فيه ، أو السماح به ، وإن كان - والحال ما ذكر - في بلاد كفر ، وجب على المسلمين إعلان عدم الرضا به ، والمطالبة بهدمه ، والدعوة إلى هجره ‏.‏

وانظر ، كيف تشابهت أعمال المنافقين ، ومقاصدهم ، في قديم الدهر وحديثه ؛ إذ بني المنافقون مسجداً ضراراً بالمؤمنين ، أما عملهم اليوم ، فهو ‏:‏ أشد ضراراً بالإيمان ، والمؤمنين ، والإسلام والمسلمين ، وقد أنزل الله - سبحانه - قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ، فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى - ‏:‏ ‏{‏ والذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ‏.‏ لا تقيم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المُطَهرين ‏.‏ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير ام من اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ‏.‏ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ‏}‏ ‏[‏ التوبة / 107 - 110 ‏]‏ ‏.‏

ثم رأيت الفرق الباطنية ، التي اسّسَت من قِبَلِ الاستعمار الروسي ، والإنجليزي ، واليهودية العالمية ، منسوبة إلى الإسلام ظلماً ؛ لهدمه ، والعدوان عليه ، ومنها ‏:‏

‏"‏ البابية ‏"‏ نسبة إلى ‏:‏ المرزا علي محمد الشيرازي ، الملقب ‏:‏ ‏"‏ باب المهدي ‏"‏ المولود سنة 1235 والهالك سنة 1265 ‏.‏

و ‏"‏ البهائية ‏"‏ نسبة إلى البهاء حسين ابن الميرزا المولود بإيران سنة 1233 ، والهالم سنة 1309 ‏.‏

و ‏"‏ القاديانية ‏"‏ نسبة إلى ‏:‏ مرزا غلام أحمد القادياني الهالك سنة 1325 ‏.‏

المحكوم بكفرها - أي هذه الفرق - بإجماع المسلمين ، وقد صدرت بكفرها قرارات شرعية دَولية ‏.‏

هذه الفِرق تدعو إلى هذه النظرية ‏:‏ ‏"‏ نظرية الخلط ‏"‏ ‏.‏

ومنها قول بهاء المذكور ‏[‏كتاب ‏:‏ أهمية الجهاد في الإسلام للشيخ علي العلياني ‏:‏ ص / 508 - 509 ‏.‏‏]‏‏.‏

‏"‏ يجب على الجميع ترك التعصبات ، وأن يتبادلوا زيارة الجوامع والكنائس مع بعضهم البعض ؛ لأن اسم الله في جميع هذه المعابد مادام الكل يجتمعون لعبادة الله ، فلا خلاف بين الجميع ، فليس منهم أحد يعبد الشيطان ، فيحق للمسلمين أن يذهبوا إلى كنائس النصارى ، وصوامع اليهود ، وبالعكس يذهب هؤلاء إلى المساجد الإسلامية ‏"‏ انتهى ‏.‏

ما أشبه الليلة بالبارحة ، فإن عمل منافقي اليوم ضِرار بالإيمان والمؤمنين بوجه أشد نكاية وأذى للإسلام والمسلمين ‏.‏

* ألا أنه واجب على المسلمين ، الخَذَر والتيقظ من مكايد أعدائهم ‏.‏

* وواجب على المسلمين ، الحذر من ارتداء الكفرة مُسُوحَ الحوار ، وجَلب الشخصيات المتميعة ونحو ذلك من أساليبهم ، التي هي بحق ‏:‏ ‏"‏ رجس من عمل الشيطان ‏"‏ ‏.‏

* وليعلم كل مسلم ، أنه لا لقاء بين أهل الإسلام والكتابيين وغيرهم من أمم الكفر إلا وفق الأصول التي نصبت عليها الاية الكريمة ‏:‏ ‏{‏ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 64 ‏]‏ ‏.‏ وهي توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به وطاعته في الحكم والتشريع واتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بشرت به التوراة والإنجيل ‏.‏

* فيجب أن تكون هذه الآية شعار كل مجادلة بين أهل الإسلام وبين أهل الكتاب وغيرهم وكل جهد يُبذل لتحقيق غير هذه الأصول فهو باطل ‏.‏ ‏.‏ باطل ‏.‏ ‏.‏ باطل ‏.‏

* وإن إفشال تلك المؤتمرات التي هي في حقيقتها ‏:‏ ‏"‏ مؤامرات ‏"‏ على المسلمين ، مؤكد بوعد الله - تعالى - للمسلمين في قوله جل وعز ‏:‏ ‏{‏ لن يضروكم إلا أذى ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 111 ‏]‏ ‏.‏

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏"‏ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ‏"‏ ‏.‏

وثبت - أيضاً - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏"‏ سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدواً من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها ‏"‏ ‏.‏ الحديث ‏.‏

* ولكن هذا - وأيم الله - لا بد له من موقفين ‏:‏ موقف رفع راية الجهاد ، وتوظيف القدرات بصد العاديات ، وموقف للبناء وتحصين المسلمين بإسلامهم على وجهه الصحيح ‏.‏

* ولا تلتفت أيها المسلم إلى غلط الغالطين ، ولا إلى من خدعتهم دعوة إخوان الشياطين ، ولا إلى المأجورين ، ولا إلى أفراد من الفرق الضالة من المنتسبين إلى الإسلام ، للمناصرة ، والترويج لهذه النظرية ، فيتسنمون الفتيا وما هم بفقهاء ، ولا بصيرة لهم في الدين ، وإنما حالهم كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 78 ‏]‏ ‏.‏

اللهم إني قد بينت ونصحت في هذا كل مسلم قدر نفسه حق قدرها مؤمناً بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، فأذعن للحق ، اللهم فاشهد ‏.‏

نسأل الله - سبحانه - أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يذب عنهم البأس ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، وأن يثبتنا جميعاً على الإسلام حتى نلقاه إنه على كل شئ قدير ‏.‏

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‏.‏

تحريراً

في 8 / 5 / 1417

بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد